يتساءل كثيرون عن سبب حماسة واندفاعة دولة مثل الإمارات العربية المتحدة إلى التطوع للقيام بهذه الأدوار الحساسة والخطيرة. يحصر البعض الأمر في رغبة محمد بن زايد في رفع مستوى دوره وتأثيره في المنطقة، أو في كون الولايات المتحدة الأميركية تحتاجه في أمور لم يعد بقية الحلفاء يقومون بها. لكن قلة تفكر في الأسباب الإماراتية الداخلية أو الذاتية، والتي لا تقلّ أهمية عن أي سبب آخر.
تستهدف استراتيجية دولة الإمارات الأساسية حماية دخلها القومي، الذي يقوم في جزء منه على العائدات النفطية، بينما يعتمد الجزء الآخر على العائدات المتولدة من كون الإمارات تمثل فعلياً معبراً تجارياً ومركز استثمارات خارجية، وقد تكون أكبر مركز تبييض للعملة في المنطقة. وهي مستعدة لأجل حماية ذلك، لأن تقوم بأي دور يستهدف إنهاك أي دولة قادرة على استثمار سواحلها البحرية، سواء باتجاه المحيط الهندي أو المتوسط أو الأطلسي، وكذلك أي دولة تفكر في أن تتحول إلى مركز التبادلات الشرعية وحتى غير الشرعية.
في اليمن، وجوه خشية الإمارات متنوعة، لكنها تقوم أساساً على أن استقرار هذا البلد سيتيح له القيام بأدوار مختلفة، أهمها ما يتصل بموقعه البحري. وهو أمر يتعلق أيضاً بدول القرن الأفريقي، ما دفعها إلى إنجاز اتفاقات مع حكومات وميليشيات في الصومال وإريتريا وجيبوتي، هذا قبل أن تدخل اليمن ثم تحتل جزيرة سقطرى.
سابقاً، اتفقت أبو ظبي مع الراحل علي عبد الله صالح على الاستثمار في مرفأ عدن، لكنها لم تقم بأي عملية تفعيل له، قبل أن ياتي الرئيس الفارّ عبد ربه منصور هادي ويلغي هذا الاتفاق، ثم تعود قوات الاحتلال الإماراتية إلى وضع يدها على عدن بكاملها، وتعمل على تعطيل الميناء فيها بصورة تامة، وتمنع عنه حتى القيام بأعمال صغيرة. وتبيّن أخيراً أنها منعت دخول 13 سفينة قادمة من ميناء جدة بحجج أمنية وخلافها.
إلى جانب ذلك، تتعاظم خشية الإمارات من مشروعين: إيراني وصيني. الأول يتعلق بقرار طهران إقامة مرفأ ضخم على الجهة الشرقية من مضيق هرمز على المحيط الهندي، وهو مشروع سيؤثر بقوة على عمل ميناء دبي. والثاني يتعلق بقرار الصين إقامة مرفأ ضخم على ساحل المحيط الهندي، لكن ضمن الأراضي الباكستانية، على أن تتولى هي تمويل العملية، بما في ذلك بناء شبكة الطرقات الضخمة الموصلة إلى المرفأ، والتي تمر داخل الأراضي الباكستانية. وخشية الإمارات هنا لا تتصل فقط بكون هذين المشروعين سيؤثران عليها، بل لكونهما يتيحان الفرصة أمام دول أخرى مثل سلطنة عمان واليمن للقيام بأدوار أكبر.
لكن الإمارات لا يقتصر احتلالها لليمن على المسألة العسكرية والأمنية، بل هي عمدت من خلال احتلال ميناء الضبة في شبوة إلى الإمساك بعمليات تصدير الغاز عبره، وهو الغاز المستخرج من حقول في شبوة. وتقوم مافيات الإمارات ببيع الناتج في السوق السوداء، وتستخدم العائدات في تمويل أنشطتها العسكرية والأمنية والإجرامية داخل اليمن، ولا تنفق من موازنتها أي قرش هناك. وهي وضعت يدها أيضاً على ميناء المكلا، وتعمل مع محافظ حضرموت على منع تدخّل أحد فيه، مقابل وعد باستثمار نحو مئة مليون دولار في المحافظة. وهو ما قاله محمد بن زايد للمحافظ الذي استضافته أبو ظبي لمدة شهر كامل.
ومن خلال وجودها العسكري والأمني في اليمن، تنفذ الإمارات سلسلة من الأعمال العدائية ضد سلطنة عمان. فإلى جانب جهودها الكبيرة لتنظيم انقلاب على السلطان قابوس داخل السلطنة، فقد قادت محاولات قوية لأجل استمالة قبائل من المهرة ضد مسقط. مع العلم أن المحافظة الحدودية مع السلطنة، التي تبلغ مساحتها نحو 70 ألف كيلومتر مربع، ولا يقطنها أكثر من 400 ألف نسمة، ينتمي سكانها إلى قبائل تربطها علاقات تاريخية مع مسقط، التي توفر لها مساعدات كثيرة، بينها الطبابة المجانية والكهرباء وخدمات النقل، وحتى تغضّ الطرف عن عمليات التهريب المدنية التي تدرّ عائدات على القبائل هناك. لا بل منحت السلطنة الجنسية لعدد من زعماء القبائل هناك. ولذلك، رفضت هذه القبائل التجاوب مع مساعي الإمارات لإنشاء قوات خاصة في المحافظة.
وعندما أوجدت الإمارات قوة من 400 رجل، عاد زعماء القبائل إلى إعلان التزامهم العمل مع «شرعية» عبد ربه منصور هادي، قائلين إنهم لا يحتاجون إلى قوة عسكرية وأمنية خاصة. وهو ما اضطر السعوديين إلى التدخّل المباشر، ونشر قوات سعودية مع عشرات الآليات، وبدء صرف مساعدات في تلك المحافظة، وعقد تفاهمات مع القبائل تحت عنوان منع التهريب عبر أراضي المهرة، لكن السعي الفعلي هو خلق مشكلة لسلطنة عمان في هذه المنطقة، ودفع الأخيرة إلى التراجع سياسياً.
كل ذلك يقود إلى الخلاصة التي تتعمق يوماً بعد يوم لدى جميع اليمنيين والجنوبيين على وجه الخصوص، حيال مهمة الإمارات في تدمير اليمن بصورة كلية، وجعله بلداً فاشلاً على الصعد كافة. لكن حسابات الإمارات تصطدم يوماً بعد يوم أيضاً بالعجز عن تنفيذ هذه الأهداف، فكيف الحال وثمة قرار بالرد على جرائمها بقصف مراكز استراتيجية داخل الإمارات نفسها، وهو ما بدأه مقاتلو «أنصار الله»، وسيصعّدون منه في القادم من الأيام والأسابيع، ولن تنفع حينذاك كل منظومات الدفاع الجوي الأميركية في حماية الإمارات.